سورة إبراهيم - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {وأدخل الذين آمنوا} على فعل المتكلم، بمعنى: وأدخل أنا وهذا دليل على أنه من قول الله، لا من قول إبليس {بِإِذْنِ رَبّهِمْ} متعلق بأدخل، أي: أدخلتهم الملائكة الجنة بإذن الله وأمره.
فإن قلت: فبم يتعلق في القراءة الأخرى، وقولك: وأدخلهم أنا بإذن ربهم، كلام غير ملتئم؟ قلت: الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله: {بِإِذْنِ رَبّهِمْ} بما بعده، أي {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام} بإذن ربهم، يعني: أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم.


{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)}
قرئ: {ألم تر} ساكنة الراء، كما قرئ: {من يتق}، وفيه ضعف {ضَرَبَ الله مَثَلاً} اعتمد مثلاً ووضعه. و{كَلِمَةً طَيّبَةً} نصب بمضمر، أي: جعل كلمة طيبة {كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} وهو تفسير لقوله: {ضَرَبَ الله مَثَلاً} كقولك: شرّف الأمير زيداً: كساه حلة، وحمله على فرس. ويجوز أن ينتصب {مثل الذين} و{كَلِمةًَ} بضرب، أي: ضرب كلمة طيبة مثلاً، بمعنى جعلها مثلاً ثم قال: {كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} على أنها خبر مبتدأ محذوف، بمعنى هي كشجرة طيبة {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} يعني في الأرض ضارب بعروقه فيها {وَفَرْعُهَا} وأعلاها ورأسها {فِى السماء} ويجوز أن يريد: وفروعها، على الاكتفاء بلفظ الجنس.
وقرأ أنس بن مالك {كشجرة طيبة ثابت} أصلها فإن قلت: أيّ فرق بين القراءتين؟ قلت: قراءة الجماعة أقوى معنى؛ لأنّ في قراءة أنس أجريت الصفة على الشجرة، وإذا قلت: مررت برجل أبوه قائم، فهو أقوى معنى من قولك: مررت برجل قائم أبوه؛ لأنّ المخبر عنه إنما هو الأب لا رجل. والكلمة الطيبة: كلمة التوحيد. وقيل: كل كلمة حسنة كالتسبيحة والتحميدة والاستغفار والتوبة والدعوة.
وعن ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله. وأما الشجرة فكل شجرة مثمرة طيبة الثمار، كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمّان وغير ذلك وعن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: «إن الله ضرب مثل المؤمن شجرة فأخبروني ما هي» فوقع الناس في شجر البوادي، وكنت صبياً، فوقع في قلبي أنها النخلة، فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقولها وأنا أصغر القوم.
وروي: فمنعني مكان عمر واستحييت، فقال لي عمر: يا بنيّ لو كنت قلتها لكانت أحبّ إليّ من حمر النعم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا إنها النخلة»
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: شجرة في الجنة وقوله: {فِى السماء} معناه في جهة العلوّ والصعود، ولم يرد المظلة، كقولك في الجبل: طويل في السماء تريد ارتفاعه وشموخه {تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} تعطي ثمرها كل وقت وقته الله لإثمارها {بِإِذْنِ رَبّهَا} بتيسير خالقها وتكوينه {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لأن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعاني.


{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}
{كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} كمثل شجرة خبيثة، أي: صفتها كصفتها. وقرئ: {ومثل كلمة} بالنصب، عطفاً على كلمة طيبة، والكلمة الخبيثة: كلمة الشرك. وقيل: كل كلمة قبيحة. وأمّا الشجرة الخبيثة فكل شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل والكشوث ونحو ذلك. وقوله: {اجتثت مِن فَوْقِ الأرض} في مقابلة قوله: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} [إبراهيم: 24] ومعنى {اجتثت} استؤصلت، وحقيقة الاجتثاث أخذ الجثة كلها {مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} أي استقرار. يقال: قرّ الشيء قراراً، كقولك: ثبت ثباتاً شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة، فهو داحض غير ثابت والذي لا يبقى إنما يضمحل عن قريب لبطلانه، من قولهم: الباطل لجلج.
وعن قتادة أنه قيل لبعض العلماء: ما تقول في كلمة خبيثة؟ فقال: ما أعلم لها في الأرض مستقراً، ولا في السماء مصعداً، إلا أن تلزم عنق صاحبها حتى يوافي بها القيامة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9